مضى أكثر من سنة على الحرب بين تنظيم "الدولة الإسلامية" وفصائل المعارضة السورية وأشهر على حربه مع السلطات العراقية وأكثر من شهر من ضربات التحالف الدولي الجوية. وأنظمة المنطقة مجتمعة، تناست خلافاتها وحتى الجوهرية منها وعولت على التحالف الدولي للحد من تمدد التنظيم وهز أركانه و"دولته" الفتية. لكن يبدو أن التحالف الدولي بدوره لم يحقق، أقله حتى الساعة، النتائج المرتجاة.
الخطوط العريضة لتطور الصراع مع تنظيم "الدولة الإسلامية"
بعد الشرخ مع "جبهة النصرة"، دخلت جميع الفصائل السورية تباعا في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، ودخل التنظيم في هذه الحرب وفتح حروب أخرى تزامنا مع السلطات العراقية وبعدها مع سلطات كردستان العراق وإذا به يهدد أنظمة المنطقة كلها دون استثناء بداية بالأنظمة العربية التي لطالما اتهمت بدعمه وتمويله. إلا أن هذه الأنظمة نفسها، وخصوصا الخليجية منها، هي من ألد أعداء التنظيم وفكره كما أن جهادي التنظيم أنفسهم المتحدرون من هذه البلاد لطالما صرحوا عن عدّهم العدّة للإطاحة بهذه الأنظمة. فدخلتدول الخليج وعلى رأسها السعودية في معركة تمويل ودعم الفصائل السورية لقتال تنظيم "الدولة الإسلامية" وهذا ليس بِسرّ. إلا أن فشل المعركة في الشمال السوري في إحداث انتكاسة في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" دفع إلى فتح معركة في المناطق الشرقية، علما أن المنطقة كانت المكان الوحيد حيث يمكن ضرب جبهة النصرة بتنظيم الدولة الإسلامية، خصوصا بعد إشكالات الرقة المدينة والمعركة التي دخلتها "جبهة ثوار الرقة" باسم "جبهة النصرة" مع جهاديي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وقتها.
لكن تنظيم "الدولة الإسلامية" تمكن من بسط سيطرته على الشرقية السورية تباعا من معركة مركدة والصور وصولا إلى معركتي البوكمال الحدودية مع العراق. ذلك بموازاة تمدده في الأنبار وسيطرته على الموصل وصولا إلى إعلانه "الخلافة". ثم ما لبث التنظيم أن مكن سطوته على الشرقية إلا وأن وجه سلاحه نحو ما تبقى من مواقع النظام في محافظة الرقة وسيطر عليها خلال أيام مُكبدا الجيش السوري خسائر فادحة في العتاد والأرواح إن كان في الفرقة 17 أو فوج الميلبية أو مطار الطبقة العسكري. تزامنا كان جهاديو التنظيم يتقدمون من بلدة إلى أخرى في المحافظات العراقية طارقين أبواب إربيلوبغداد على حد سواء، مُستدعيين ردا دوليا لا محالة.
التداعيات المرتقبة للتحالف الدولي في محاربته تنظيم "الدولة الإسلامية"
تكاتفت أنظمة المنطقة على اختلاف مشاربها متناسية خلافاتها وحتى حروبها بالوكالة إن كان في سوريا أو في اليمن أو في العراق قبله لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" لدى تيقنها أنه يشكل تهديدا حقيقيا لها. وكان للأمر تداعيات واضحة من ليبيا إلى مصر واليمن. لكن الفشل في إيجاد حل إقليمي للمأزق الذي بات يشكله التنظيم ، فُرض التدخل وبحكم الواقع الميداني على عواصم القرار غربا وشرقا ومعها مجلس الأمن الدولي الذي صادق على قرار حرب التنظيم بعد زهاء أربع سنوات من العجز والمراوحة تجاه الحرب التي أشعلت سوريا حجرا وبشرا. وبدل أن يكون هذا القرار وهذا التحالف الدولي قاسما لظهر التنظيم مُشتتا لصفوفه وقاطعا لطريق الوافدين إليه، أتت الرياح بما لا تشتهي السفن.
فبدل أن يتشتت شمل تنظيم "الدولة الإسلامية" أصبح يفد إليه المقاتلون من مختلف الفصائل الجهادية في العراق كما في سوريا. فعدد كبير من قادة فصيل أنصار الإسلام، وهو من خصوم التنظيم التاريخيين وحتى ممن عوّل عليهم بعض من قادة جبهة النصرة لإحياء فرع للقاعدة في العراق، بايعوا أبو بكر البغدادي. وفي فترة لاحقة بايع أمير الكتيبة الخضراء السابق وشرعي المجموعة مع عدد من الجنود تنظيم "الدولة الإسلامية"، ثم جاءهم مقاتلون من أحرار الشام وبايعهم "جيش الشام" والشرعي العام لفصيل "أنصار الشام" وما انفكت تكبر صفوفهم من المهاجرين الوافدين الجدد والأنصار. فإعلان التحالف والشروعبالضربات الجوية أوقف التقاتل الداخلي وألغى مبرراته، فكيف لأمير فصيل جهادي أن يبرر لجنوده استمرار الصراع مع تنظيم "الدولة الإسلامية" في ظل حرب دولية عليه بقيادة "عدو تاريخي" كواشنطن؟ ومن هنا تتالت بيانات المناصرة والتأييد من فروع القاعدة، وآخرها فرع اليمن على أهميته في الوسط الجهادي، وإن كان منها ما أتى ويأتي على مضض.
لكنه في طيات الصراع القائم، جاء ما صرح به البارحة سلطان بن عيسى العطوي- وهو أحد شرعيي وقادة جبهة النصرة السابقين وأحد أبرز وجوهها خلال معارك الشرقية- على عكس ما فكر به البعض بأن جبهة النصرة هي الوحيدة التي يمكن أن توقف تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" معوّلا على حاضنتها الشعبية وصيتها الجيد بين السوريين. فما أفاد به العطوي من "فساد وعشائرية" فرع "جبهة النصرة" في الشرقية وما نتج عنه من "مجلس شورى مجاهدي الشرقية" وعن استقلالية هذه التشكيلة عن التنظيم الأم أتى كلبنة جديدة في خدمة فكر وتوجهات تنظيم "الدولة الإسلامية". وكنا قد أفدنا في وقته عن إشارات تشير بخروج جبهة النصرة في الشرقية عن القيادة مستندين لقرائن وشهادات عدة لا مجال لذكرها.
فالعطوي يكيل التهم لأبو ماريا القحطاني الذي كان في فترة خلت بمثابة الرجل الثاني في جبهة النصرة وأحد أهم شرعييها. لا بل ويدعو المهاجرين، أي الجهاديين من غير السوريين، أن يتركوا الجبهة متهما أبو ماريا بـ"استلام مليون دولار من الشيخ عدنان العرعور لقتال الدولة الإسلامية". وكل هذه الاتهامات وأهمية موقع العطوي السابق في صفوف جبهة النصرة تُنذر بأن أعدادا جديدة من الجهاديين من السوريين وغير السوريين لن يتأخروا في الانضمام لصفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" في سياق الحرب المستعرة في كل من سوريا والعراق. فحتى الساعة النتيجة الملموسة الوحيدة للتحالف الدولي تكمن في شد عصب الفصائل الجهادية على مختلف مشاربها. ذلك فضلا عن التهديد القائم واليومي لمصالح دول التحالف ولأراضيها على غرار الهجمات الأخيرة في كندا على سبيل المثال ولا الحصر. فالصراع وماهيته وجغرافيته الواسعة تنذر بأن أمده طويل... فضلا عن اعتراف أبرز القيمين على هذه الحرب بذلك...